الأمم العظيمة تخلّد أفكارها بالكتاب، وتسجل حضارتها بالرسم وتحفظ آثارها بكل ما يتناءى عن الشَّفوية المقيتة، والتي هي معادل ثقافي للأمية، فكم من عمل كبير ضاع تحت وطأة النسيان، وفي غياب التقييد بالكتاب. والمجلس الأعلى للغة العربية حين قرر تنظيم موسم ثقافي امتد على مدى قريب من ثمانية شهور، وأسهم فيه قريب من عشرين مفكراً وجامعيًاً من أعضاء المجلس ومن خارجه: كان يمكن أن يسقط فيما سقط فيه كثير من الهيئات التي تنظم محاضرات، وتقيم ندوات، ثم لا ترعوي أن تذر الآثار الفكرية التي ألقيت على مسامع الناس في ظلام الأدراج إلى أن يأكلها التراب، ويهرتها الغبار؛ فتضيع كما يضيع الشيء الدون. وحتى يتجانف المجلس الوقوع في هذه المثلبة قرر أن يطبع نصوص المحاضرات التي ألقيت في موسمه الثقافي للعام 1999-2000؛ وذلك على الرغم من أن زهاء خمس منها لم نرد إعادة نشرها احتراماً للقارئ، لأننا كنا اضطررنا إلى نشرها في العدد الثاني من مجلة «اللغة العربية».